سورة يوسف - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


معنى {بَدَا لَهُمْ} ظهر لهم، والضمير للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون عليه، وأما فاعل {بَدَا لَهُمْ} فقال سيبويه: هو {ليسجننه} أي: ظهر لهم أن يسجنوه. قال المبرد: وهذا غلط؛ لأن الفاعل لا يكون جملة، ولكن الفاعل ما دلّ عليه {بدا} وهو المصدر كما قال الشاعر:
وحق لمن أبو موسى أبوه *** يوفقه الذي نصب الجبالا
أي وحقّ الحقّ، فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه. وقيل: الفاعل المحذوف هو أي: وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل، وهذا الفاعل حذف لدلالته {ليسجننه} عليه، واللام في ليسجننه جواب قسم محذوف على تقدير القول، أي: ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين: والله ليسجننه، وقرئ: {لتسجننه} بالمثناة الفوقية على الخطاب، إما للعزيز ومن معه، أو له وحده على طريق التعظيم، والآيات: قيل: هي القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي، وقيل: هي البركات التي فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت امرأته هي الغالبة على رأيه، الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف، وإنفاذ ما تقدّم منها من الوعيد له بقولها: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ بِهِ * لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين} قيل: وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة، وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه. وقيل: إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته، لما علم أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه بحمل نفسها عليه على أيّ صفة كانت، ومعنى قوله: {حتى حِينٍ} إلى مدّة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين. وقيل: إلى انقطاع ما شاع في المدينة.
وقال سعيد ابن جبير: إلى سبع سنين، وقيل: إلى خمس، وقيل: إلى ستة أشهر، وقد تقدّم في البقرة الكلام على تفسير الحين. وحتى بمعنى إلى.
قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ} في الكلام حذف متقدّم عليه، والتقدير: وبدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه، {ودخل معه السجن فتيان} ومع للمصاحبة، وفتيان تثنية فتى، وذلك يدّل على أنهما عبدان له، ويحتمل أن يكون الفتى اسماً للخادم وإن لم يكن مملوكاً، وقد قيل: إن أحدهما خباز الملك، والآخر ساقيه، وقد كانا وضعا للملك سما لما ضمن لهما أهل مصر مالاً في مقابلة ذلك، ثم إن الساقي رجع عن ذلك وقال للملك: لا تأكل الطعام فإنه مسموم، وقال الخباز: لا تشرب فإن الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب فشرب فلم يضرّه، وقال للخباز كل فأبى، فجرّب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما، وكان دخولهما السجن مع دخول يوسف، وقيل: قبله، وقيل: بعده.
قال ابن جرير: إنهما سألا يوسف عن علمه فقال: إني أعبر الرؤيا، فسألاه عن رؤياهما كما قص الله سبحانه: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا} أي: رأيتني، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة. والمعنى: إني أراني أعصر عنباً، فسماه باسم ما يئول إليه لكونه المقصود من العصر. وفي قراءة ابن مسعود: {أعصر عنباً}. قال الأصمعي: أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابياً ومعه عنب، فقال له: ما معك؟ فقال خمر. وقيل: معنى {أعصر خمراً} أي: عنب خمر، فهو على حذف المضاف، وهذا الذي رأى هذه الرؤيا هو الساقي، وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال، وكذلك الجملة التي بعدها وهي {وَقَالَ الآخر إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا} ثم وصف الخبز هذا بقوله: {تَأْكُلُ الطير مِنْهُ} وهذا الرائي لهذه الرؤيا هو الخباز، ثم قالا ليوسف جميعاً بعد أن قصا رؤياهما عليه {نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أي: بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين، أو بتأويل المذكور لك من كلامنا؛ وقيل: إن كل واحد منهما قال له ذلك عقب قصّ رؤياه عليه، فيكون الضمير راجعاً إلى ما رآه كل واحد. منهما؛ وقيل: إن الضمير في بتأويله موضوع موضع اسم الإشارة، والتقدير بتأويل ذلك {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} أي: من الذين يحسنون عبارة الرؤيا، وكذا قال الفراء: إن معنى {من المحسنين} من العالمين الذين أحسنوا العلم، وقال ابن إسحاق: من المحسنين إلينا إن فسرت ذلك، أو من المحسنين إلى أهل السجن، فقد روي أنه كان ذلك.
وجملة {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، ومعنى ذلك أنه يعلم شيئاً من الغيب، وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام إلاّ أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما، وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه، بل جعله عليه السلام مقدّمة قبل تعبيره لرؤياهما بياناً لعلوّ مرتبته في العلم، وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظنّ وتخمين، فهو كقول عيسى عليه السلام {وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ} [آل عمران: 49] وإنما قال يوسف عليه السلام لهما بهذا ليحصل الانقياد منهما له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر، ومعنى {ترزقانه} يجري عليهما من جهة الملك أو غيره، والجملة صفة لطعام، أو يرزقكما الله سبحانه، والاستثناء بقوله: {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} مفرّغ من أعمّ الأحوال: أي: لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما أي: بينت لكما ماهيته وكيفيته قبل أن يأتيكما، وسماه تأويلاً بطريق المشاكلة؛ لأن الكلام في تأويل الرؤيا، أو المعنى: إلا نبأتكما بما يؤول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع.
والإشارة بقوله: {ذلكما} إلى التأويل، والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما {مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى} بما أوحاه إليّ وألهمني إياه: لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ، ثم بين لهما أن ذلك الذي ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجمة هو بسبب ترك الملة التي لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال: {إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله} وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله، والمراد بالترك: هو عدم التلبس بذلك من الأصل، لا أنه قد كان تلبس به، ثم تركه كما يدلّ عليه قوله: {مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله} ثم وصف هؤلاء القوم بما يدلّ على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه. فقال: {وَهُمْ بالاخرة هُمْ} أي: هم مختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله.
وقوله: {واتبعت} معطوف على {تركت} وسماهم آباء جميعاً؛ لأن الأجداد آباء، وقدّم الجدّ الأعلى، ثم الجدّ الأقرب، ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التي كان عليها أولاده، ثم تلقاها عنه إسحاق، ثم يعقوب، وهذا منه عليه السلام لترغيب صاحبيه في الإيمان بالله {مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله} أي: ما صحّ لنا ذلك فضلاً عن وقوعه، والضمير في {لنا} له وللأنبياء المذكورين، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى الإيمان المفهوم من قوله: ما كان لنا أن نشرك بالله، و{مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا} خبر اسم الإشارة أي: ناشئ من تفضلات الله علينا ولطفه بنا بما يجعله لنا من النبوّة المتضمنة للعصمة عن معاصيه، ومن فضل الله على الناس كافة ببعثة الأنبياء إليهم وهدايتهم إلى ربهم، وتبيين طرائق الحق لهم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} الله سبحانه على نعمه التي أنعم بها عليهم، فيؤمنون به ويوحدونه، ويعملون بما شرعه لهم.
قوله: {ياصاحبى السجن ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} جعلهما مصاحبين للسجن لطول مقامهما فيه، وقيل: المراد يا صاحبي في السجن؛ لأن السجن ليس بمصحوب فيه، وأن ذلك من باب يا سارق الليلة، وعلى الأوّل يكون من باب قوله: {أصحاب الجنة أصحاب النار} [الأعراف: 42] {أصحاب النار} [المائدة: 29] والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ. ومعنى التفرّق هنا هو التفرّق في الذوات والصفات والعدد أي: هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم، المختلفون في صفاتهم، المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن، أم الله المعبود بحق، المتفرّد في ذاته وصفاته، الذي لا ضدّ له ولا ندّ ولا شريك، القهار الذي لا يغالبه مغالب، ولا يعانده معاند؟
أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام، لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام.
وقد قيل: إنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب، ولهذا قال لهما: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} أي: إلا أسماء فارغة سميتموها ولا مسميات لها، وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات، وهي الآلهة التي تعبدونها، لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسميات لها.
وقيل: المعنى ما تعبدون من دون الله إلاّ مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء أنفسكم، وليس لها من الإلهية شيء إلاّ مجرد الأسماء لكونها جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ؛ وإنما قال: {مَا تَعْبُدُونَ} على خطاب الجمع، وكذلك ما بعده من الضمائر؛ لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم، ومفعول سميتموها الثاني محذوف أي: سميتموها آلهة من عند أنفسكم {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا} أي: بتلك التسمية {مّن سلطان} من حجة تدلّ على صحتها {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} أي: ما الحكم إلا لله في العباد، فهو الذي خلقكم وخلق هذه الأصنام التي جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان، وجملة {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} مستأنفة، والمعنى: أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة دون غيره مما تزعمون أنه معبود، ثم بين لهم أن عبادته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره، فقال: {ذلك} أي: تخصيصه بالعبادة {الدين القيم} أي: المستقيم الثابت {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك هو دينه القويم، وصراطه المستقيم، لجهلكم وبعدكم عن الحقائق.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة قال: سألت ابن عباس عن قوله: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات} فقال: ما سألني عنها أحد قبلك، من الآيات قد القميص، وأثرها في جسده، وأثر السكين، وقالت امرأة العزيز: إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال: من الآيات كلام الصبي.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: الآيات حزّهنّ أيديهنّ، وقدّ القميص.
وأقول: إن كان المراد بالآيات: الآيات الدالة على براءته فلا يصح عدّ قطع أيدي النسوة منها؛ لأنه وقع منهن ذلك لما حصل لهن من الدهشة عند ظهوره لهن مع ما ألبسه الله سبحانه من الجمال، الذي تنقطع عند مشاهدته عرى الصبر، وتضعف عند رؤيته قوى التجلد، وإن كان المراد: الآيات الدالة على أنه قد أعطي من الحسن ما يسلب عقول المبصرين، ويذهب بإدراك الناظرين، فنعم يصح عدّ قطع الأيدي من جملة الآيات، ولكن ليس هذه الآيات هي المرادة هنا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: عوقب يوسف ثلاث مرات: أما أوّل مرة فبالحبس لما كان من همّه بها، والثانية لقوله: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} {فَلَبِثَ فِى السجن بِضْعَ سِنِينَ} عوقب بطول الحبس، والثالثة حيث قال: {أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} فاستقبل في وجهه: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا} خازن الملك على طعامه، والآخر ساقيه على شرابه.
وأخرج ابن جرير عنه في قوله: {إِنّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا} قال: عنباً.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد {نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} قال: عبارته.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} قال: كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزّي حزينهم، ويداوي مريضهم. ورأوا منه عبادة واجتهاداً فأحبوه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال: كان إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له، وإذا احتاج جمع له.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: دعا يوسف لأهل السجن فقال: اللهمّ لا تعمّ عليهم الأخبار، وهوّن عليهم مرّ الأيام.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ} الآية، قال: كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ليريهما أن عنده علماً، وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً معلوماً فأرسل به إليه، فقال يوسف: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} إلى قوله: {يَشْكُرُونَ} فلم يدعه صاحبا الرؤية حت يعبر لهما، فكره العبارة فقال: {ياصاحبى السجن ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ} إلى قوله: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} قال: إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة الله، ويشكر ما بالناس من نعم الله، وذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: يا ربّ شاكر نعمة غير منعم عليه لا يدري، ويا ربّ حامل فقه غير فقيه.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ} الآية، قال: لما عرف يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما، وإلى نصيبهما من آخرتهما.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {ذلك الدين القيم} قال: العدل، فقال:


هذا هو بيان ما طلباه منه من تعبير رؤياهما. والمراد بقوله: {أَمَّا أَحَدُكُمَا} هو الساقي، وإنما أبهمه لكونه مفهوماً أو لكراهة التصريح للخباز بأنه الذي سيصلب {فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا} أي: مالكه، وهي عهدته التي كان قائماً بها في خدمة الملك، فكأنه قال: أما أنت أيها الساقي فستعود إلى ما كنت عليه ويدعو بك الملك ويطلقك من الحبس {وَأَمَّا الآخر} وهو الخباز {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ} تعبيراً لما رآه من أنه يحمل فوق رأسه خبزاً فتأكل الطير منه {قُضِىَ الأمر الذى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} وهو ما رأياه وقصاه عليه، يقال: استفتاه إذا طلب منه بيان حكم شيء سأله عنه مما أشكل عليه، وهما قد سألاه تعبير ما أشكل عليهما من الرؤيا.
{وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا} أي: قال يوسف، والظان هو أيضاً يوسف. والمراد بالظنّ العلم؛ لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الشرابي وهلاك الخباز، هكذا قال جمهور المفسرين. وقيل: الظاهر على معناه؛ لأن عابر الرؤيا إنما يظن ظناً، والأوّل أولى وأنسب بحال الأنبياء. ولا سيما وقد أخبر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلعه الله على شيء من علم الغيب كما في قوله: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} الآية، وجملة: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} هي مقول القول، أمره بأن يذكره عند سيده، ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير والاطلاع على شيء من علم الغيب، وكانت هذه المقالة منه عليه السلام صادرة عن ذهول ونسيان عن ذكر الله بسبب الشيطان، فيكون ضمير المفعول في أنساه عائداً إلى يوسف، هكذا قال بعض المفسرين ويكون المراد بربه في قوله: {ذِكْرَ رَبّهِ} وهو الله سبحانه، أي: إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال. {وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا} يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته.
وذهب كثير من المفسرين إلى أن الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذي نجا من الغلامين، وهو الشرابي، والمعنى: إنساء لشيطان الشرابي ذكر سيده، أي: ذكره لسيده فلم يبلغ إليه ما أوصاه به يوسف من ذكره عند سيده، ويكون المعنى: فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه من السجن، ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك، وقد رجح هذا بكون الشيطان لا سبيل له على الأنبياء.
وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف، ونسبته إلى الشيطان على طريق المجاز، والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلاّ فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني» ورجح أيضاً بأن النسيان ليس بذنب، فلو كان الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين، وأجيب بأن النسيان هنا بمعنى الترك، وأنه عوقب بسبب استعانته بغير الله سبحانه، ويؤيد رجوع الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله: {فَلَبِثَ فِى السجن بِضْعَ سِنِينَ} ويؤيد رجوعه إلى الذي نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي: {وَقَالَ الذى نَجَا مِنْهُمَا وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] سنة.
{فَلَبِثَ} أي: يوسف {فِى السجن} بسبب ذلك القول الذي قاله للذي نجا من الغلامين، أو بسبب ذلك الإنساء {بِضْعَ سِنِينَ} البضع: ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن العرب، وحكي عن أبي عبيدة أن البضع: ما دون نصف العقد، يعني: ما بين واحد إلى أربعة. وقيل: ما بين ثلاث إلى سبع، حكاه قطرب.
وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس.
وقد اختلف في تعيين قدر المدة التي لبث فيها يوسف في السجن، فقيل: سبع سنين. وقيل: اثنتا عشرة سنة. وقيل: أربع عشرة سنة، وقيل: خمس سنين.
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {أَمَّا أَحَدُكُمَا} قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب فنبتت، فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ ثم سقيتهنّ الملك؛ فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمراً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئاً، إنما تحالما ليجرّبا علمه. فلما أوّل رؤياهما قالا: إنما كنا نلعب، ولم نرَ شيئاً، فقال: {قُضِىَ الأمر الذى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} يقول: وقعت العبارة فصار الأمر على ما عبر يوسف.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال: كان أحد اللذين قصا على يوسف الرؤيا كاذباً.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن ابن ساباط {وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذكرنى عِندَ رَبّكَ} قال: عند ملك الأرض.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يقل يوسف الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله».
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن عكرمة مرفوعاً نحوه، وهو مرسل، وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن مرفوعاً نحوه.
وهو مرسل.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن قتادة فذكر نحوه، وهو مرسل أيضاً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن أنس قال: أوحي إلى يوسف: من استنقذك من القتل حين همّ إخوتك أن يقتلوك؟ قال: أنت يا ربّ، قال: فمن استنقذك من الجبّ إذ ألقوك فيه؟ قال: أنت يا ربّ، قال: فمن استنقذك من المرأة إذ همت بك؟ قال: أنت يا ربّ، قال: فما لك نسيتني، وذكرت آدمياً؟ قال: جزعاً، وكلمة تكلم بها لساني، قال: فوعزتي لأخلدنك في السجن بضع سنين، فلبث فيه سبع سنين، وقد اختلف السلف في تقدير مدّة لبثه في السجن على حسب ما قدّمنا ذكره، فلم نشتغل ها هنا بذكر من قال بذلك ومن خرّجه.


المراد بالملك هنا: هو الملك الأكبر، وهو الريان بن الوليد الذي كان العزيز وزيراً له، رأى في نومه لما دنا فرج يوسف عليه السلام أنه خرج من نهر يابس {سَبْعَ بقرات سِمَانٍ} جمع سمين وسمينة، في إثرهن سبع عجاف: أي: مهازيل، وقد أقبلت العجاف على السمان فأكلتهنّ. والمعنى: إني رأيت، ولكنه عبر بالمضارع لاستحضار الصورة، وكذلك قوله: {يَأْكُلُهُنَّ} عبر بالمضارع للاستحضار، والعجاف جمع عجفاء، وقياس جمعه عجف؛ لأن فعلاء وأفعل لا تجمع على فعال، ولكنه عدل عن القياس حملاً على سمان {وَسَبْعَ سنبلات} معطوف على سبع بقرات. والمراد بقوله: {خُضْرٍ} أنه قد انعقد حبها، واليابسات قد أدركت الخضر والتوت عليها حتى غلبتها، ولعل عدم التعرّض لذكر هذا في النظم القرآني للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات. {ياأيها الملأ} خطاب للأشراف من قومه {أَفْتُونِى فِى رؤياى} أي: أخبروني بحكم هذه الرؤيا {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أي: تعلمون عبارة الرؤيا، وأصل العبارة مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر: بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يخبر بما يئول إليه أمرها. قال الزجاج: اللام في {للرؤيا} للتبيين، أي: إن كنتم تعبرون. ثم بين فقال: {للرؤيا} وقيل: هو للتقوية، وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفواصل.
وجملة {قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، والأضغاث: جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى: أخاليط أحلام، والأحلام: جمع حلم: وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلاّ رؤيا واحدة مبالغة منهم في بالبطلان، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاحلام بعالمين} قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل. وقيل: إنهم نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقاً، ولم يدّعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا. وقيل: إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة.
{وَقَالَ الذى نَجَا مِنْهُمَا} أي: من الغلامين، وهو الساقي الذي قال له يوسف: {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} {وادّكر بعد أمة} بالدال المهملة على قراءة الجمهور، وهي القراءة الفصيحة، أي: تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا، وقرئ بالمعجمة، ومعنى {بَعْدَ أُمَّةٍ}: بعد حين، ومنه {إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} [هود: 8] أي: إلى وقت، قال ابن درستويه: والأمة لا تكون على الحين إلاّ على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه قال: والله أعلم: وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة، والأمة: الجماعة الكثيرة من الناس.
قال الأخفش: هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة. وقرأ ابن عباس وعكرمة: {بعد أمة} بفتح الهمزة وتخفيف الميم، أي: بعد نسيان، ومنه قول الشاعر:
أمِهتُ وكنت لا أنسى حديثا *** كذاك الدهر يودي بالعقول
ويقال أمه يأمه أمها: إذا نسي. وقرأ الأشهب العقيلي {بعد إمَّة} بكسر الهمزة، أي: بعد نعمة، وهي نعمة النجاة. {أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} أي: أخبركم به بسؤالي عنه من له علم بتأويله، وهو يوسف. {فَأَرْسِلُونِ} خاطب الملك بلفظ التعظيم، أو خاطبه ومن كان عنده من الملأ، طلب منهم أن يرسلوه إلى يوسف ليقصّ عليه رؤيا الملك حتى يخبره بتأويلها فيعود بذلك إلى الملك.
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا} أي: يا يوسف، وفي الكلام حذف، والتقدير: فأرسلوه إلى يوسف فسار إليه، فقال له: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} إلى آخر الكلام، والمعنى: أخبرنا في رؤيا من رأى سبع بقرات إلخ، وترك ذكر ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا، وأن المطلوب منه تعبيرها {لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس} أي: إلى الملك ومن عنده من الملأ {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا، أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفنّ التعبير. وجملة: {قَالَ تَزْرَعُونَ} إلخ مستأنفة جواب سؤال مقدّر كغيرها مما يرد هذا المورد {سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا} أي: متوالية متتابعة، وهو مصدر. وقيل: هو حال، أي: دائبين، وقيل: صفة لسبع، أي: دائبة.
وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ: {دأبا} بتحريك الهمزة، وكذا روى حفص عن عاصم وهما لغتان قال الفراء: حرك لأن فيه حرفاً من حروف الحلق، وكذلك كل حرف فتح أوّله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة. فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب، والعجاف بسبع سنين فيها جدب، وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر، والسبع السنبلات اليابسات، واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله: {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ} أي: ما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه؛ عنها لئلا يأكله السوس إلاّ قليلاً مما تأكلون في هذه السنين المخصبة، فإنه لا بدّ لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها. واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم، لأنه قد علم من قوله: {تزرعون} {ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك} أي: من بعد السبع السنين المخصبة {سَبْعٌ شِدَادٌ} أي: سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} من تلك الحبوب المتروكة في سنابلها، وإسناد الأكل إلى السنين مجاز، والمعنى: يأكل الناس فيهنّ، أو يأكل أهلهنّ ما قدمتم لهنّ: أي: ما ادخرتم لأجلهنّ، فهو من باب: نهاره صائم، ومنه قول الشاعر:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردى لك لازم
{إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ} أي: مما تحبسون من الحب لتزرعوا به؛ لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات.
وقال أبو عبيدة: معنى {تحصنون} تحرزون. وقيل: تدّخرون، والمعنى واحد.
قوله: {ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي: من بعد السنين المجدبات، فالإشارة إليها، والعام: السنة {فِيهِ يُغَاثُ الناس} من الإغاثة أو الغوث، والغيث المطر، وقد غاث الغيث: بالأرض، أي: أصابها، وغاث الله البلاد يغيثها غوثاً: أمطرها، فمعنى {يغاث الناس}: يمطرون {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي: يعصرون الأشياء التي تعصر كالعنب والسمسم والزيتون. وقيل: أراد حلب الألبان. وقيل: معنى {يعصرون} ينجون، مأخوذ من العصرة وهي المنجاة. قال أبو عبيدة: والعصر بالتحريك: الملجأ والمنجاة، ومنه قول الشاعر:
صاديا يستغيث غير مغاث *** ولقد كان عصرة المنجود
واعتصرت بفلان: التجأت به. وقرأ حمزة والكسائي: {تعصرون} بتاء الخطاب، وقرئ: {يعصرون} بضم حرف المضارعة وفتح الصاد، ومعناه يمطرون، ومنه قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَاء ثَجَّاجاً} [النبأ: 14].
وقد أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال يوسف للساقي: أذكرني عند ربك، أي: الملك الأعظم، ومظلمتي وحبسي في غير شيء، فقال: أفعل، فلما خرج الساقي ردّ على ما كان عليه، ورضي عنه صاحبه، وأنساه الشيطان ذكر الملك الذي أمره يوسف أن يذكره له، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين، ثم إن الملك ريان بن الوليد رأى رؤياه التي أري فيها فهالته، وعرف أنها رؤيا واقعة، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته {إِنّى أرى سَبْعَ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات} فلما سمع من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها، ذكر يوسف ما كان عبَّر له ولصاحبه، وما جاء من ذلك على ما قال، فقال: أنا أنبئكم بتأويله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أضغاث أَحْلاَمٍ} يقول: مشتبهة.
وأخرج أبو يعلى، وابن جرير عنه قال: من الأحلام الكاذبة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} قال: بعد حين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وعكرمة وعبد الله بن كثير والسدّي مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: بعد سنين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: بعد أمة من الناس.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بقرات} الآية، قال: أما السمان فسنون فيها خصب، وأما العجاف فسنون مجدبة، وسبع سنبلات خضر هي السنون المخاصيب، تخرج الأرض نباتها وزرعها وثمارها، وآخر يابسات: المحول الجُدُوب لا تنبت شيئاً.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترطت عليهم أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ} يقول: تخزنون، وفي قوله: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يقول: الأعناب والدهن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {فِيهِ يُغَاثُ الناس} يقول: يصيبهم فيه غيث {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يقول: يعصرون فيه العنب، ويعصرون فيه الزبيب، ويعصرون من كل الثمرات.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه أيضاً {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} قال: يحتلبون.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عنه أيضاً {ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ} قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه كأنّ الله قد علمه إياه فيه يغاث الناس بالمطر، وفيه يعصرون السمسم دهناً، والعنب خمراً والزيتون زيتاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6